|

✦ الفجوة التعليمية بين الغربة والوطن👩‍🏫



✨بين شوق للوطن وتحديات مدارسه

بعد سنوات من العيش في بلاد الغربة والتأقلم مع نظم تعليمية وثقافية مختلفة، يعود آلاف الأطفال السوريين إلى وطنهم ليواجهوا تحديات جديدة لم يكن لهم يد في اختيارها. وفي لحظة العودة، تتداخل مشاعر الحنين إلى الوطن مع صدمة التغيرات في البيئة المدرسية والمناهج، لتبدأ بذلك رحلة شاقة من إعادة الاندماج والتكيّف مع مجتمع يبدو غريبًا عنهم، رغم أنه وطنهم الأصلي.

✨جزء من صعوبات التعليم بعد العودة

يُعد حاجز اللغة من أبرز التحديات التي تواجه الأطفال اللاجئين، لما له من أثر مباشر على اندماجهم الأكاديمي والاجتماعي. ويتشابك هذا التحدي مع سلسلة من الصعوبات التعليمية الأخرى التي رافقت الطفل خلال سنوات اللجوء، ثم تضاعفت عند عودته إلى وطنه ، مما يضطرهم للبدء من الصفر.

خلال رحلة اللجوء، يتوقف التعليم أحيانًا لعدة أشهر أو حتى سنوات، ما يؤدي إلى فجوات معرفية كبيرة يصعب تعويضها. وأرغم بعض الأطفال على ترك الدراسة ، إما للمساعدة في إعالة الأسرة، أو نتيجة التعرّض للتنمّر، أو بسبب ظروف اجتماعية ومعيشية قاسية يصعب استدراكها عند عودتهم الى مدارس وطنهم .

العديد من المدارس لا توفّر برامج تقوية مخصصة للطلاب اللاجئين أو معلمين متخصصين في تعليم الأطفال اللاجئين. قلة الموارد التعليمية من مدارس وأدوات بسبب خروج العديد من المدارس عن الخدمة. غياب الدعم التربوي الفردي يزيد من صعوبة مواكبة الطفل لأقرانه، ويؤدي في بعض الحالات إلى الانسحاب الصامت من الصف.

يعاني العديد من الأطفال العائدين من الغربة من فجوات تعليمية واضحة، خاصة في المواد التي لم يسبق لهم دراستها مطلقًا. فبعض المقررات الدراسية كانت غائبة تمامًا عن برامجهم التعليمية في بلاد اللجوء، بينما تلقى بعضهم تعليمًا مبسّطًا اقتصر على المهارات الأساسية فقط، دون التعرّض إلى مواد جوهرية في النظام المحلي مثل قواعد اللغة العربية، والجغرافيا، والعلوم.

ونتيجة لهذه الفجوات، يجد الطفل نفسه مضطرًا لمواجهة كمّ هائل من المعلومات الجديدة، دون وجود خلفية معرفية سابقة أو تمهيد مناسب، ما يُدخل الطفل في حالة من الضغط التعليمي التي تؤثر سلبًا على فهمه وثقته بنفسه.

لا تقتصر الصعوبات على غياب بعض المواد، بل تمتد أيضًا إلى بنية المنهاج نفسه، الذي يختلف في مضمونه وتسلسله ومصطلحاته التربوية عمّا اعتاده الطفل في مدارس الخارج. كما تختلف طبيعة اليوم الدراسي وعدد الساعات الدراسية، بل حتى تنظيم الفصول ومواعيد الامتحانات والواجبات المنزلية.

هذا التحول يخلق نوعًا من الارتباك في ذهن الطفل، ويتطلب منه وقتًا وجهدًا للتكيّف مع الإيقاع الجديد للتعلّم.

إلى جانب كل ذلك، يُفاجأ الطفل بأساليب تدريس مختلفة تمامًا عما كان مألوفًا لديه. فبينما اعتاد بعضهم في الخارج على التعليم التفاعلي أو الإلكتروني، يصطدم بواقع يعتمد بدرجة أكبر على الحفظ والتلقين. كما أن أساليب التقييم غالبًا ما تكون تقليدية، تركز على الامتحان الكتابي، دون مراعاة للفروق الفردية أو مستوى اللغة، وما يجعله يشعر بالفجوة ويحتاج إلى فترة طويلة للتكيّف

هذا الاختلاف في أسلوب التعلّم يُعمّق الفجوة التعليمية، ويزيد من شعور الطفل بأنه غير قادر على مجاراة زملائه، ما قد يؤثر على مشاركته الصفية وتقدّمه الأكاديمي.

ليس من السهل فهم التقاليد والعادات داخل المدرسة المحلية بعد سنوات من الغياب. يواجه الطفل صعوبة في فهم الأدوار المدرسية، أو المشاركة في الأنشطة الجماعية، مما يعيق اندماجه الكامل ويزيد من شعوره بالعزلة.

📘 التحديات النفسية بعد العودة

تترك تجارب اللجوء والنزوح آثارًا نفسية عميقة وتحديات اجتماعية متراكمة على الأطفال، لا تزول بمجرد العودة إلى الوطن، بل تظهر بوضوح في سلوكهم ومحاولاتهم لإعادة التكيّف.

يعيش الطفل العائد حالة من الحنين لما اعتاده في الغربة، حيث فقد العادات اليومية التي أصبحت جزءًا من حياته، وانفصل عن أصدقاء ودوائر اجتماعية كوّنها بصعوبة خلال سنوات اللجوء. وتزداد هذه المشاعر لدى الأطفال الذين وُلدوا ونشؤوا في بلدان اللجوء، والذين لا يعرفون سوريا إلا من خلال القصص التي سمعوها، دون أن يملكوا ذاكرة شخصية عنها.

بسبب حاجز اللغة، يعيش الطفل توترًا مستمرًا في المدرسة. الخوف من الوقوع في الخطأ أمام زملائه أو معلميه قد يدفعه إلى الانسحاب من التفاعل الصفي وعدم المشاركة في الأنشطة، ما يزيد من عزلته.

تشكّل البيئة الجديدة، واختلاف اللغة، والخوف من المستقبل، مصدرًا دائمًا للقلق والتوتر لدى الطفل، خاصة إذا لم يحظَ بتطمينات أو دعم نفسي من محيطه.

يشعر الطفل في كثير من الأحيان بفقدان الارتباط الحقيقي ببلده الأصلي. فبينما يبدو مختلفًا عن أقرانه من حيث الملبس، والطعام، وطريقة الكلام، فإنه أيضًا لا يشعر بالانتماء الكامل إلى مجتمعه الجديد، مما يولّد لديه ارتباكًا داخليًا حول هويته.

رغم أن العودة إلى الوطن تحمل في ظاهرها مشاعر الأمان والانتماء، إلا أن كثيرًا من الأطفال العائدين يواجهون واقعًا مختلفًا تمامًا، يثير في داخلهم مشاعر القلق والخوف من المجهول. فقد باتت البيئة التي يُفترض أن تكون مألوفة مصدرًا لتساؤلات وقلق دائم، بسبب عدة عوامل متشابكة:

مشاهد الدمار وبقايا الأنقاض، أو حتى احتمال وجود ألغام غير مُزالة، تُشعر الطفل بعدم الأمان وتُعيد له ذكريات مؤلمة عاشها أو سمع عنها.

غياب بعض الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، أو تدهور البنية التحتية للمدارس، يجعل الطفل ينظر إلى واقعه الجديد بعين الخوف والارتباك، ويتساءل عن مستقبله القريب.

عند العودة، يكتشف الطفل أن منزله قد تغيّر، وأصدقاء الطفولة غادروا أو لم يعودوا كما كانوا، ما يجعله يشعر بالغربة في المكان الذي من المفترض أن يكون “بيته”.

يجد أن نمط الحياة اليومي في بيته القديم لم يعد كما يتذكّره، من حيث التقاليد، وأسلوب الحديث، وحتى أولويات الأسرة، ما يربكه ويزيد من صعوبة إعادة التكيّف.

يجد الطفل صعوبة في الاندماج مع أقرانه الذين لم يغادروا البلاد، إذ يشعر بينهم بأنه مختلف في التفاصيل والتجارب، وكأن هناك مسافة خفية تفصله عنهم، رغم أنهم يتشاركون المكان نفسه.

يُعد الشعور بالعزلة والتعرض للتمييز من أبرز التحديات الاجتماعية التي قد تواجه الأطفال العائدين من الغربة، خاصة داخل البيئة المدرسية. فاختلاف اللهجة أو طريقة اللباس أو حتى طريقة التفاعل مع المعلمين والزملاء، قد يجعل الطفل يبدو “مختلفًا” في نظر الآخرين، مما يعرضه أحيانًا للسخرية أو التجاهل أو التهميش. هذا التفاعل السلبي يُشعر الطفل بأنه غير مرحّب به، ويُفقده الإحساس بالانتماء، مما يدفعه للانسحاب التدريجي من الأنشطة الصفية أو الامتناع عن تكوين صداقات جديدة. ومع تكرار هذه التجارب، تتكوّن لديه حالة من الانغلاق الاجتماعي، وقد تتحوّل العزلة إلى مشكلة نفسية تؤثر على سلوكه وتحصيله الدراسي.

لا تمر التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأطفال العائدون من الغربة دون أثر.فغالبًا ما تظهر على هيئة إشارات سلوكية واضحة، تدل على معاناة داخلية أو اضطراب نفسي يحتاج إلى رعاية واحتواء.

من أبرز هذه المؤشرات:

بعد أن كان الطفل يظهر أداءً مستقرًا أو مقبولًا.

سواء عن زملائه في المدرسة أو عن أفراد أسرته.

مثل الأرق أو الكوابيس المتكررة، خاصة المرتبطة بأحداث مؤلمة أو مشاهد الحرب.

يقوم فيها الطفل بتمثيل مواقف صادمة أو مشاهد عنف، مما يعكس محاولاته غير الواعية لمعالجة ما مرّ به.

📘 بعض الحلول المقترحة لدعم اندماج الأطفال العائدين💡

تتطلّب عودة الأطفال من الغربة إلى الوطن توفير بيئة داعمة تراعي الفروق الفردية وتسهّل إعادة تأقلمهم نفسيًا واجتماعيًا وأكاديميًا. وفيما يلي مجموعة من الحلول المتكاملة التي يمكن أن تُسهم في تعزيز اندماجهم في المدرسة والمجتمع:

يساعد تشجيع الطفل على تكوين صداقات جديدة، من خلال مشاركته في أنشطة مرحة وجماعية داخل المدرسة أو خارجها، على كسر حاجز العزلة واستعادة ثقته بنفسه.

يُستحسن التحدث مع الطفل مسبقًا حول ما قد يواجهه عند العودة، من تغيرات في البيئة والمدرسة والعلاقات، مما يُخفف من وقع الصدمة ويمنحه شعورًا بالأمان والاستعداد.

يلعب تعاون الأهل مع المدرسة دورًا حاسمًا، من خلال إبلاغ المعلمين بخلفية الطفل التعليمية أو الصحية، ليتسنى لهم تقديم الدعم المناسب له، سواء في الصف أو عبر خطط فردية.

نظرًا للفجوة التعليمية التي تراكمت خلال سنوات الغربة، يحتاج كثير من الأطفال إلى دروس دعم إضافية، تُقدَّم بطرق مرنة ومراعية للفروق الفردية، من أجل تعويض الفاقد العلمي وتعزيز مستواهم الأكاديمي.

يساعد دمج الأنشطة التي تُعيد للطفل ارتباطه بثقافته وهويته السورية، كحكاية القصص المحلية أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، على تقوية شعوره بالانتماء والطمأنينة.

تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة المدرسية المختلفة، وفهم التقاليد السائدة داخل المدرسة، يسهم في اندماجه التدريجي داخل البيئة الصفية وبناء روابط جديدة.

لنمنحهم فرصة لحياة أفضل 🌈

أطفال سوريا العائدون من الغربة هم أبطال صغار، يحملون في قلوبهم حبًّا صادقًا لوطنهم. لكن هذه العودة، رغم جمالها ، ليست سهلة؛ فهم يخوضون معركة يومية بين رغبة في التعلّم، وخوف من الاغتراب، وحيرة بين عالمين.

علينا أن نمنحهم فرصة حقيقية لينموا ويبدعوا، ونرسم على وجوههم ابتسامة الأمل والانتماء من جديد.
إن تمكينهم يبدأ من التعليم، والدعم النفسي والاجتماعي، ومن تكاتف الأسرة والمدرسة والمجتمع في آنٍ واحد، لتوفير بيئة تحترم إنسانيتهم وتحتضن أحلامهم الصغيرة.

هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام في إحصاءات، بل هم جيل مُتعب، جريح، ينتظر فرصة حقيقية ليُعيد بناء ذاته… ويُضيء مستقبله.

🌟 يجب أن نزرع فيهم الأمل، ونفتح لهم أبواباً للغد.


شعار إشراق
💚 إشراق للتنمية المجتمعية
نُعلّم، نُمكّن، وندعم بكل إنسانية، من أجل مجتمعات أكثر وعيًا وكرامة.
📘 تعليم وتدريب  |   🧠 دعم نفسي
🤝 تمكين اجتماعي  |   📊 أبحاث ومجتمع
🌿 في كل حرف نكتبه، نُشعل شعلةً من إشراق تصنع فرقًا حقيقيًا. # إشراق للتنمية المجتمعية ECD

اكتشاف المزيد من إشراق للتنمية المجتمعية ECD

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

موضوعات ذات صلة

اترك ردك نحن نحب سماع آرائك! شاركنا بتعليقك، فقد يكون رأيك هو الإلهام التالي لهذا النقاش